بداية السلوك: دور الشيخ المربي



تكلمنا في المقالات السابقة عن حقيقة التصوف وكون المحبة عنصر أساسي في هذا الطريق بل هي روحه. وهذه المحبة لا تدرك كلها في خطوة واحدة، ولكنها درجات ومدارج في السير إلى الله يقطعها السالك. فإذا حددنا أن بداية الطريق هو تحديد المقصد وهو وجه الله تعالى، فالآن لنا نقطة بداية ونهاية. 

هل نستطيع أن أن نبدأ هذا الطريق؟ إذا كنا لا نعلم معالم نقطة الوصول وكيفية الطريق إليها فكيف نسافر؟ وهذه هي أهمية الدليل، العالم بالطريق الذي يأخذ بأيدينا ويدلنا على معرفة الله سبحانه وتعالى. يقول الله سبحانه وتعالى: "الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا"، فيُرشد من أراد أن يعرف الله حق المعرفة أن يذهب لخبير بالله سبحانه وتعالى. 

ويقول أيضًا:" مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا"، فيبين أن الهدي والضلال بيده سبحانه وتعالى، ولكنه إذا أراد الهُدى لعبد دله على ولي مرشد يأخذ بيده إلي الله. واستطرد العلماء في الشرح عن أهمية الشيخ المربي بل وصنفوا فيه الكتب ويكفينا قولهم: "من كان شيخه كتابه فقد ضل".


والحقيقة عن أهمية الشيخ المربي ودوره أمر لا يعرف بالكلام ولا بالدليل النصي، لكني فضلت أن أعرض لكم بإختصار استنباط أهمية الشيخ من كتاب الله عز وجل حتى نقيم الدليل العقلي في ذلك. 

أما عن أهمية الشيخ في التجربة الصوفية فهو ذوق وتحقق لا يُدرك بالكلام ولهذا سأحاول أن أنقل لكم القليل عن تجربتي الشخصية البسيطة في صحبتي لشيخي  وخالي السيد محمد أكرم عقيل مظهر:


تعلمنا دائمًا أن أسهل طريق لتعلم شيء، هو أن تنتقي أحدًا يفعل ما تريد أن تفعله وتذهب لتتبعه وتتعلم منه. فنحن نفعل ذلك في الدراسة والرياضة والعمل. فهذا كان مبدئي في التعامل مع الشيخ، وهو مبدأ بسيط للغاية. قرأنا كثيرًا عن الأخلاق الحميدة وأخلاق النبي والصحابة وكيف كان تراحمهم وأدبهم. وكاد أن يكون ذلك منتهاي مع هذه الأخلاق التي قرأت عنها في الكتب حتى قابلت شيخي. فإني رأيت فيه تحقق هذا الكلام الذي نقرأه في الكتب وكان هذا دليل كافي لي أنه من أهل الصلاح. 

لأنني لم أكن بدراية كافية بالعلوم الشرعية حتى أحكم على الصوفية وما يُقال عنهم، ولكني بحكم دراستي للهندسة أحكم بالنتائج. والنتيجة المطلوبة لأي عبد يُريد القرب من الله هو أن يكون أقرب لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه. لأن حب الله للعبد هو ثمرة اتباع العبد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بموجب قول الله سبحانه وتعالى:" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ". فلما شهدت هذه الأخلاق والأحوال النبوية متحققة في شخص أراه وليست في كتاب يقرأه علي، علمت أن أهل التصوف هم أهل الاتباع حقًا.

ومما شعرت به أيضًا في صحبتي للشيخ هو وضوح الطريق واليقين الذي كان يزيد كلما ازددت حبًا له. لأني عندما كنت أنظر إلي خارج الطريق كنت أرى الناس في تخبط رهيب عندما تأتي الأمور لموضوع الدين. فالكل يريد أن يتقرب إلى الله، ولكنهم لا يعلمون كيف؟ الكل يتسائل عن الرضا والسكينة واليقين والتوكل والكثير من الأحوال الأخرى، ولكن لا سبيل عندهم للوصول إليه. 

أما طريق القوم فهو واضح وصريح، طالما كنت في صحبة شيخ محقق. فالشيخ يوفر لك صورة حية على ما تريد أن تكون عليه، فتقتدي به وبأخلاقه. وهذا التطبع الذي ينتج عن حسن العشرة هو ما يقطع بك المسافات في الطريق. فترى أخلاقك وأحوالك تتغير بدون أن تعلم. وهذا مثل أي صحبة تصحبها لشخص. فإن كانت صحبة صديق السوء تورثك صفاته الذميمة؟ فكيف تورثك  صحبة الشيخ المحقق المتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ ونذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل". فإن كان خليلك صديق السوء هلكت، وإن كان خليلك شيخك فتفلح بإذن الله.


فأحمد الله سبحانه وتعالى أن دلني على شيخي وأستاذي السيد محمد أكرم عقيل مظهر، وأدعو الله أن يدلنا على من يدلنا عليه، وأن يعلمنا ما ينفعنا  ويزيدنا علمًا ويجعلنا من العلماء العاملين إنه ولي ذلك والقادر عليه.


شارك المحتوي