حكايتي مع التصوف



 المقال بتاريخ يوليو 2012


"فليتك تحلو والحياة مريرة  *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب"


هذه الأبيات المذكورة كانت أول ما علمت عن طريق المحبة، أرسلها إلي صديق عزيز منذ سنتين ونصف ولا أدري حقيقة ماذا كان السبب؟ ولكنها اخترقت قلبي وكانت الإجابة لأسئلة تكدر علي صفو حياتي لفترة طويلة. 

كانت هذه الأبيات سببًا في صلحي مع الله، بعد ما تحكم في أسر الهوى والمعصية. لما قرأتها وجهت قلبي إلى الله وطلبت منه إشارة واضحة أن يرشدني لطريق الوصول إليه، ودأبت على طلب ذلك منه ما يقرب من الشهر. حتى إذا قرب الشهر من نهايته نمت ذات ليلة فرأيت نفسي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعدها بست ساعات توفى والدي. وكانت هذه لي أبلغ إشارة وأتم عبارة، رأيت خالي الشيخ أكرم في العزاء وطلبت منه أن يدخلني معه الطريق، فقال لي: "أنت أصلًا في الطريق"، فتعجبت مما قال ولكني لم ألقى لكلامه بالًا في لحظتها. ثم من الله علي أن أجلس معه بعدها بثلاث أيام وتكلمت معه في كل ما كان يشغل بالي، وعقدت عزمي أن أسلم حبال المحبة علي بابه من يومها.


ومنذ ذلك اليوم شرح الله صدري لطريق المحبة وسقاني الشيخ منها في أول الأمر ما أسكرني عن كل ما كان يجري في حياتي، فكنت لا أرى أحد ولا أتكلم مع أحد، ويومي كله يدور في التفكير فيما يقوله لي الشيخ. وفي هذه الفترة توالت علي الإشارات التي من شأنها تثبيت الفقير في الطريق، منها أن ترى لي أحد الأخوات أن الشيخ يغطيني ببردته فإذا أنا بداخل مقام سيدنا رسول الله ببركة الشيخ. ورأيت من خرق العوائد من شيخي ما تطير به العقول ومنها أن يحدثني الشيخ بما فعلت أو فعل آخرون وهو لم يكن معنا. ومن الناحية الأخرى  توالت علي الفتن أيضًا التي من شأنها إبعاد الفقير عن الطريق. حاول الشيطان أن يفتنني في شيخي وفي ديني حتى في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله نفسه، وكلما كنت أشتكي للشيخ من ذلك كان يضحك ويقول لي لا تخف.


ومنذ لزمت الشيخ وطريق المحبة لازمتني المنن والعطايا أينما حللت ببركة شيخي. علمني شيخي كيف أحب، وعلمني أن الحب سبب لذاته وأن الحب غير مشروط  بالمحبوب. علمني أن أحب آل بيت النبي محبة في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن أحب النبي محبة في الله سبحانه وتعالى. حتى صاروا هم حياتي كلها وآخرتي كلها، لا أرجو سوى لقائهم ولا أخاف إلا جفاهم. حتى أن مَن الله علي بالزواج، جمعني بها إشارة متعلقة بطريق المحبة والصوفية.


والسبب في ذكر هذا الكلام هو أن التساؤل عن التصوف والصوفية زاد هذه الأيام، وزادت الروايات التي تحكي قصصًا عن أحوالهم وما يحدث في صحبة أشياخهم. فأردت أن أنقل لكم تجربة حقيقية مجردة أعيشها بنفسي وذاتي، ولا أنقلها عن أحد. فمن أراد أن يصدقها فليصدقها، ومن أراد أن ينكرها فلا ألومه، فقد كنت أنكر هذا الكلام من قبل. ولا أدعي في كل ما ذكرت أني كان لي دورًا في هذا، بل هو كله فضل من الله ورحمة ساقها الله إلى الفقير لعلمه بسوء حاله وكثرة معاصيه.


فإن كنت في شك أو ريب أو بحث عن باب الحقيقة فعليك بالمحبة، فهي أسرع طريق للوصول لأسرار الوجود. وإن وجدت في قلبك بذور المحبة، فأطلب من الله أن يرشدك إلى ما يحب ويرضى، وأن يبعث لك بإشارة تثبتك على طريقه المستقيم. وإن كنت على غير ذلك فتضرع إلي الله أن يُذيقك من المحبة شيئًا، فإن أذاقك منها شيئًا فلا تشتكي بعدها واعلم أن العشق بلا والحب سم قاتل.


"كانت لقلبي أهواء مفرقة *** فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي

وصار يحسدني من كنت أحسده  *** وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي

وتركت للناس دينهم ودنياهم *** شغلًا بذكرك يا ديني ودنيائي"


وأخيرًا أحمد الله على نعمته العظيمة للفقير أن جمعني بشيخي وسيدي الشيخ أكرم مظهر، لا فرقني الله عنه أبدًا وأشكر الشيخ علي تقبله الدائم لي مع كل ما يصدر مني من تقصير في كل لحظة من صحبته.

شارك المحتوي