لماذا نحتاج إلى التصوف؟



 المقال بتاريخ يناير 2012


دين الإسلام مقسم إلى ثلاثة أركان أساسية: وهي الإسلام والإيمان والإحسان، كما هو في الحديث المشهور بحديث جبريل. فميراث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته قسمه العلماء لثلاثة أقسام أساسية وهي العلوم المقصودة لذاتها: وهي علم العقيدة وعلم الفقه وعلم التصوف. 

علم العقيدة: هو المختص بتصحيح اعتقادنا في الله سبحانه وتعالى في أنبيائه، عن طريق إثبات الصفات الواجبة والجائزة والمستحيلة لله ولأنبيائه، مع إثبات بعض الأمور السمعية التي جاءتنا بالخبر الصادق عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، كوجود الجنة والنار والحساب والثواب والعقاب والقضاء والقدر وغيرها. 

أما علم الفقه: فهو المختص بتصحيح عبادتنا لله سبحانه وتعالى عن طريق إظهار الأحكام الشرعية من كيفية الوضوء والصلاة والصوم والبيع والشراء والزواج وما إلى آخره. 

أما علم التصوف: فهو المعني بالعمل بالعلمين السابقين. فهو الذي يوضح لك كيفية السير إلى الله سبحانه وتعالى والتخلي من الأخلاق السيئة والتحلي بكل الأخلاق الطاهرة الحميدة عن طريق العمل بالعبادات والعقائد التي تتعلمها من علمي العقيدة والفقه.

فكل علم تتعلمه ولا تعمل به ولا يظهر عليك أثره فلا خير فيه، فلو تعلمت علم الطب مثلًا ثم لم استخدمه مرة في حياتي، ولم أداوي مريضًا أبدًا عملًا بعلمي هذا، فماذا استفدت منه ولما تعلمته؟ فكذلك علم الفقه، لو تعلمته وحفظته فكنت عارفًا لكل الأحكام الشرعية من حلال أو حرام أو جائز، ولكني لم أعمل بهذه الأحكام ولم أطبقها على نفسي فما استفدت شيئًا بل بالعكس أكون من الخاسرين.


وهنا تأتي أهمية علم التصوف، لأنه علم مبني على العمل وليس على الدراسة، علم التصوف مبني على الترقي في تطبيق هذه العبادات التي تعلمتها حتى يظهر أثرها عليك. فهو علم يهتم بتزكية النفس وتطهيرها حتى تصبح العقائد والعبادات عندك سجية بغير تكلف. 

فكلنا يعلم أنه يجب أن نتوكل على الله ويجب أن نحسن أخلاقنا مع الناس، ولكن من منا لا يجزع إذا أصابه شيئًا في رزقه، ولا يغضب إذا عامله أحدًا معاملة سيئة؟ هذا لأن ليس عندنا منهج ثابت في العمل نترقى به في السير إلى الله سبحانه وتعالى، فنتعلم العلم ولا نعمل به. وهذا هو السبب الرئيسي في الحالة الدينية التي نمر بها كلنا هذه الأيام. نقرأ عن الدين في الكتب ولا نراه في الناس ولا في أنفسنا، كأنه نصوص وقصص تاريخية قديمة نسلي أنفسنا بقراءتها. الدين والتكليف ليس في الكتب ولا في النصوص فقط، فهي تدل على الدين وتدل المكلف على تكليفه، ولكن الدين في صدور المؤمنين وفي أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم.


نحن نحتاج إلى التصوف لنُحيي الدين في قلوبنا قبل أن نحييه في جوارحنا، نحتاج إليه ليصبح الدين حقيقة تظهر في كل واحد منا، في كلامنا وسكوتنا وحركاتنا وسكناتنا وظاهرنا وباطننا. نحتاج إليه لكي نتخلق بالأخلاق الحميدة التي قرأنا عنها في سيرة الحبيب صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وآله وسلم. نحتاج إليه لنبدل الكراهية والبغضاء التي أصبحت ساكنة في قلوبنا بالمحبة والرحمة. نحتاج إليه حتى لا نكون سببًا في ضياع إيمان جيل كل ما عرف عن الدين قصص سمعها في مدرسته أو بين أهله يظن أنها من أساطير الأولين التي اندثرت.


لقد بلغت أمة الإسلام في زماننا هذا لحظات فارقة ستكون سببًا في إعادة تشكيل هذا الأمة لفترة طويلة. وفي هذه الفترات كل شيء يتغير، إلا دين الله فهو يحفظه "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، ولو كثرت الفتن. فمسلمين هذا الزمان سيجدون أنفسهم بين اختيارين، إما أن يكونوا في فريق سيستخدمه الله لينصر به دينه الصحيح الزكي الرحيم الطاهر على من كذب وافترى وأجرم باسم الدين، وإما فريق سيفتن مع من فُتن في دينه لظنه أن هؤلاء هم أهل الإسلام الصحيح. فليختار كل منا فرقته.

شارك المحتوي