هذا هو شيخي



المقال بتاريخ أغسطس 2013


إن نعم الله سبحانه وتعالى على الفقير لا تعد ولا تحصى، فإنه قد أسبغ علي جميل ستره ولطفه ورأفته مذ كنت في الحشا إلى يومنا هذا بلا حول مني ولا قوة. ومن بين هذه النعم نعمة عظيمة أراها أعظم ما مَن الله به علي بعد قولي لا إله إلا محمد رسول الله، وهي معرفتي بشيخي وخالي وأبي وسيدي محمد أكرم عقيل مظهر. وقد فاض الوجد والشوق إليه وتحركت الروح من رؤية أنواره، فوجدت العقل يرتب الحروف والكلمات ووجدت أصابعي تتحرك لتكتب عن حضرته.  فأذكر لكم هنا ما يفيض الله به على قلبي مما رأيت من صحبة سيدي الشيخ محمد أكرم عقيل مظهر، لعل خروج الكلمات يلطف نيران الأشواق التي تمزق الأحشاء.


عرفت الشيخ كخال لي منذ كنت طفلًا صغيرًا، ودومًا ما كان عطوفًا علي رؤوفًا بي، وأذكر أني كنت أقضي بعض ليالي الصيف في بيته في المعادي مع أولاده وأحبابي عقيل وعلي. وكان هذا الحال حتى يوم 12102009، ففي هذا اليوم توفى الله أبي المغفور له هشام شريف، ورأيت الشيخ يومها في جنازته ودفنه. وبعد دفنه وضع رأسي على صدره واحتضنني حضنة أذكرها حتى هذا اليوم، ففيها انتقلت بذور المحبة من قلبه إلى قلبي وشعرت بأمان غريب لم أشعر به من قبل.


وكان ما كان بعدها من دخولي في صحبته كشيخي المربي، وفي هذه الصحبة رأيت من تعامله معي ومع غيري ما لم أرى من أهل زماني هذا. فما وجدته إلا صبورًا شفوقًا بإخواننا في الطريق، يحمل همهم دنيا ودين، لا يكل ولا يمل في العمل من أجلنا مع تقصيرنا الدائم في حقه. وأذكر معه بعض المواقف التي أثرت في كثيرًا:


الموقف الأول:  

ونحن في زيارتنا السنوية لمقام سيدي أبو الحسن الشاذلي في عام 2011، جاء شخص لزيارة الشيخ. وكان الشيخ في هذا الوقت نائمًا في غرفته، فأخبر الإخوان الزائر بأن الشيخ نائم ليرجع إليه في وقت آخر. وعندما يستيقظ الشيخ يقولوا له جاء فلان لزيارتك وقلنا له يأتي في وقت أخر لأنك كنت نائما، فرأيت وجه الشيخ يتغير ويظهر على وجهه الغضب، لأنهم لم يوقظوه وقالوا للزائر أن يرحل. ويغير الشيخ ملابسه ويخرج من الساحة دون أحدًا من الإخوان باحثًا عن هذا الزائر حتى يجده ويجلس إليه جبرًا لخاطره.


الموقف الثاني: 

في نفس هذه الرحلة في يومها الأخير، جمعنا الشيخ واستسمحنا جميعًا إن كان قد قصر في حقنا في شيء، وإذ به يبكي بكاءً شديدًا، إن كان قد أساء لأحد من الإخوان أو قصر في حقه، وكلنا نشهد أننا لم نرى منه إلا الخير. ويقول لنا أن شيخ الطريق سيدي إبراهيم  يغار على أولاده، وأن لكل مريد عنده جاه وخاطر، فيستسمحنا إن كان قد أخطأ في حق أحد منا.


الموقف الثالث: 

ونحن في احتفالنا السنوي بمولد السيدة زينب هذا العام، تدخل الساحة سيدة فقيرة وبسيطة وتذهب لمنطقة السيدات لتجلس فيها. ثم بعد وقت قليل تخرج من الساحة غاضبة لأنها لم تجد مكانًا لتجلس فيه، فيوقف الشيخ الدرس، ويطلب منا أن نستسمحها، ونطلب منها الرجوع ولا نتركها لتذهب. ثم يقول لنا نحن جئنا لأهل جبر الخواطر، ليجبروا خواطرنا، ومن لم يجبر خواطر الناس لم يُجبر خاطره.


وعهدنا أن هم الشيخ دومًا هو مصلحة الإخوان في الدنيا والدين. وأذكر مرة أن الشيخ كان في العمرة عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأرسلت له برسالة أطلب منه الدعاء وأقول له لا تنسانا عند الحبيب، فرد علي: "يا ابني هو أنا ممكن أنساك ؟". وأذكر أني ما تكلمت معه عن أمر يقلقني أو أخاف منه، إلا وأتذكر ضحكته وطمأنته لي وقوله الدائم "ماتخافش". وأذكر جيدًا عندما طلبت منه أن يعقد قراني على زوجتي وقرة عيني فرح، فلم يردني لطفًا منه بي وأجاب طلبي. ولم يزال الشيخ على هذا الكرم واللطف معي في كل صحبتي معه. لم يؤاخذني على أي خطأ ارتكبته قط ولم يعنفني على تقصيري معه أبدًا.


وأما عن إخلاصه في معاملته مع الإخوان، أتذكر جيدًا عندما سألته عما يسر قلب الشيخ من المريد قال لي جملة واحدة: "أن يراه على الاستقامة". وحقًا لم نجده يفرح بالمريدين إلا بسلوكهم وترقيهم في الطريق، وليس بأي أمر أخر.

والفقير يعلم حقيقة أن ما فعله الشيخ معي لا مجال لأن يرده الله له في هذه الدار، فأدعو الله أن يضاعفه الله أضعافًا مضاعفة في الدار الآخرة، وأن يرزقه المعية الكاملة لسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة. وأن يقر عينه بأهله وأولاده ومريديه وأحبابه وأن يسلمهم من كل سوء ويحفظهم بعين عنايته في كل لحظة ونفس وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


شارك المحتوي