الرحمة حلوة



المقال بتاريخ أغسطس 2013 


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على الرحمة المهداة سيدنا ومولانا رسول الله وعلى آله شموس الهداية وسفن النجاة وأصحابه السادة الأطهار. إن المنهج النبوي الذي تجسد للخلق في ذات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي كلامه وأفعاله وأحواله كان له معالم خاصة جعلها الله عنوانًا لهذا الدين. وكل من أراد أن يكون من أهل الاتباع لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يجب عليه أن يجعل هذه المعالم عنوانًا له في تلقيه لهذه الرسالة وتعامله معها، وإلا فإن اتباعه للحبيب اتباع ناقص لا حقيقة له. ويظهر في زماننا أكثر من أي زمان آثار هذا الاتباع الناقص الذي غفل صاحبه عن هذه المعالم الرئيسية لهذه الدعوة، فلم تظهر عليه علامات الوراثة لنور رسول الله مع كثرة حفظه للعلم واجتهاده في العبادة.


نهدف في هذا المقال لإظهار بعض من هذه المعالم التي تجلت واضحة سنية في حياة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وورثها آل بيته وأصحابه والصالحين على مر الزمان. أول هذه المعالم تظهر في قول الله سبحانه وتعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، ففي هذه الآية حصر وقصر للإرادة الإلهية من بعث خير الأنام صلى الله عليه وآله وسلم في كونه رحمة للعالمين. والله سبحانه وتعالى إذا أراد أمرًا أظهرته القدرة على وفق الإرادة دون إفراط أو تفريط.

 مما يعني أن بعثة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وكل ما جاء به من الذكر الحكيم وسيرته النبوية المطهرة كلها محكومة بهذه الإرادة من كونها رحمة للعالمين ولا تفهم إلا في هذا الإطار. فقه علماء الأزهر الشريف هذه الإرادة الإلهية من بعثة الحبيب فجعلوا أول ما يتعلمه الطالب عندما يأتي إلى الأزهر هو الحديث الشريف المسلسل بالأولية، الذي يقول فيه الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وآله :"الراحمون يرحمُهم الرحمنُ . ارحموا من في الأرضِ يرحمْكم من في السماءِ".


أخذ علماء الأزهر الشريف وغيرهم من أهل الوراثة للحبيب هذه القاعدة الرحمانية عنوانًا لهم في تلقي رسالة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم فظهرت عليهم أنوار الاتباع الحقيقي له، وتجلت في سيرهم على مر الزمان. فكانوا يخرجون للخلق بهذا الحال النبوي الرحماني الذي يهدف إلى تأليف القلوب وجمعهم على كلمة سواء. بقلوب تسع البر والفاجر والعربي والأجنبي والرجل والمرأة والطفل والعجوز، كانوا أئمة هدى يدلون الخلق على الله من باب رسول الله، ولهذا رفع الله ذكرهم على مر الزمان. حتى إن تسع رجال من آل باعلوي الحضارمة كانوا سببًا في دخول كل شرق آسيا إلى دين الإسلام بهممهم العَلية ونياتهم الصادقة.


ففي زماننا هذا علينا أن نجعل هذه القاعدة النبوية "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" قاعدة حاكمة لنا في تلقينا لهذه الرسالة النبوية وتعاملنا معها. وعلينا أن نفهم كل أحكام الشرع الشريف وكل الهدي النبوي المطهر في ضوء تحقيقها لهدف رحمة العالمين، حتى إذا خرجنا على الخلق بهذه البضاعة المطهرة وجدوا فينا رحمة ومحبة وشفقة كالتي وجدها أصحاب النبي فيه. وحتى مقال الشهر القادم نترككم مع كلمة من كلام شيخ الطريق سيدي إبراهيم الدسوقي، يجب أن يتأملها ويعيش بها كل من كان مهتما بشأن الله ورسوله:

"لا يكمل الفقير حتى يكون محبًا للخلق جميعًا مشفقًا عليهم ساترًا لعوراتهم".


شارك المحتوي